بين التجاذبات السياسية وصلاحيات القضاء: إلى أين يتجه ملف المحكمة الاتحادية؟

أزمة متجددة وسط منعطف حساس

من جديد، يقف العراق عند منعطف دستوري بالغ التعقيد مع إعلان استقالات أعضاء المحكمة الاتحادية العليا وإحالة رئيسها إلى التقاعد. هذا الملف لم يعد قانونيًا بحتًا، بل صار في قلب التجاذبات السياسية التي تشكّل ملامح العملية الديمقراطية العراقية منذ 2003. ومع تصاعد الحديث عن الفراغ الدستوري وتأثيره على ملفات كبرى مثل الانتخابات والتشريعات، يبرز سؤال محوري: إلى أين يتجه ملف المحكمة الاتحادية؟

المحكمة الاتحادية: حجر الزاوية للنظام الدستوري

تنص المادة (93) من الدستور العراقي لسنة 2005 على أن المحكمة الاتحادية هي المرجع الأعلى لدستورية القوانين وتفسير النصوص الدستورية وحسم النزاعات بين السلطات. لذلك، يؤدي أي اضطراب في تركيبتها أو حدوث فراغ في أعضائها إلى المساس بجوهر النظام الدستوري.

جذور الأزمة: قانون قديم وتجاذبات حديثة

يرى باحثون أن أصل الأزمة يعود إلى الثغرات التي تضمنها قانون المحكمة الاتحادية رقم (30) لسنة 2005 المعدل، وخاصة فيما يتعلق بآليات تعيين القضاة وصلاحيات المحكمة. فغياب نصوص واضحة تُجنب التسييس جعل من تشكيل المحكمة وإعادة هيكلتها ساحة للتجاذب الحزبي والكتلي.

استقالات القضاة: أسباب قانونية أم ضغوط سياسية؟

بعد الاستقالات الأخيرة، يرى البعض أنها نتيجة ضغوط سياسية أثرت على استقلال القضاء، فيما يربطها آخرون بعجز المحكمة عن حسم ملفات مثل نتائج الانتخابات وتفسير الكتلة الأكبر.

هل يهدد الفراغ الدستوري الاستحقاقات المقبلة؟

إن استمرار الفراغ في تركيبة المحكمة قد يعيق حسم ملفات استراتيجية مثل المصادقة على نتائج الانتخابات المقبلة أو الفصل في طعون القوانين المثيرة للجدل. لذلك، يحذر قانونيون من أن أي تأخير في معالجة الفراغ قد يفتح الباب لتنازع الصلاحيات بين البرلمان والحكومة.

هل من مخرج قانوني وسياسي؟

يرى خبراء أن الحل يبدأ بتعديل قانون المحكمة بشكل يضمن وضوح آليات التعيين وإعادة بناء ثقة الرأي العام باستقلال القضاء الدستوري. سياسياً، يتطلب الأمر توافقاً حقيقياً بين الكتل لتجاوز منهج المحاصصة وتحييد ملف القضاء عن الصفقات السياسية.

ما بين الممكن والضروري

يظل ملف المحكمة الاتحادية مرآة تعكس توازن القوى في العراق. إما أن يعالج الفاعلون السياسيون والقانونيون الملف بقرارات واضحة واتفاقات نزيهة، أو يحوّلونه إلى عقدة تعطل الدولة وتفاقم الأزمات. لذلك، يتحمل الفاعلون اليوم مسؤولية مضاعفة أمام الرأي العام في هذه اللحظة المفصلية.