هل تُهدد التحركات السنية وحدة العراق؟ قراءة في التطلعات الإقليمية وأبعادها

شهد العراق بعد سقوط النظام السابق عام 2003 تحولات سياسية واجتماعية عميقة، أعادت صياغة موازين القوى بين مكوناته. ومع تصاعد التحركات السنية الأخيرة، تتزايد المخاوف من نوايا قد تتجاوز المطالب السياسية التقليدية إلى سعيٍ لإنشاء إقليم سني، خطوة قد تكون بداية لتقسيم البلاد. هذه التحركات، التي تتزامن مع الاضطرابات الإقليمية و بعد التغيرات الجيوسياسية الأخيرة في المنطقة تضع مستقبل العراق ووحدته على المحك.

زيارة الحلبوسي إلى أمريكا: أهداف مبطنة؟

أحد أبرز التحركات المثيرة للجدل هو زيارة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي إلى الولايات المتحدة. هذه الزيارة، التي يُنظر إليها على أنها ليست مجرد لقاءات بروتوكولية عادية، أثارت تساؤلات حول الأهداف الحقيقية وراءها. الحلبوسي، المعروف بعلاقاته الوثيقة مع قوى إقليمية ودولية، يبدو أنه يسعى للحصول على دعم خارجي لتأمين مشروع يهدف إلى تشكيل إقليم سني، ما قد يُشكل تهديدًا لوحدة العراق ومكتسباته.

الإقليم السني: مشروع سياسي أم بداية تقسيم؟

الدعوات لتأسيس إقليم سني ليست بالجديدة، لكنها أصبحت أكثر وضوحًا وتنسيقًا في الآونة الأخيرة. يأتي هذا المشروع، كما يبدو، كجزء من استراتيجية المكون السني لإعادة تشكيل دوره في العراق، خاصة في المناطق الغربية والشمالية التي عانت من تهميش ما بعد سقوط النظام البعثي. لكن تحقيق هذا الهدف سيخلق حالة من الاستقطاب الطائفي، وربما يدفع البلاد نحو نزاعات جديدة تهدد وحدة الصف الوطني.

الأدوار الخفية للشخصيات السنية:

إلى جانب الحلبوسي، برزت شخصيات أخرى تسعى لدعم هذا المشروع، مثل خميس الخنجر الذي يمتلك نفوذًا ماليًا كبيرًا يُمكنه من التأثير على المعادلات السياسية، ورافع العيساوي الذي عاد إلى الساحة السياسية بعد تسوية خلافاته القانونية. هذه الشخصيات تعمل على توحيد الصف السني، ليس بالضرورة لتحقيق أهداف وطنية، بل لدفع أجندات قد تؤدي إلى عزل المكون السني عن المشروع الوطني الجامع.

رؤية المكون الشيعي: المخاوف والموقف الوطني:

من المنظور الشيعي، تُثير هذه التحركات قلقًا مشروعًا، إذ تُعد خطوة إقامة إقليم سني استجابةً لضغوط خارجية أكثر من كونها تعبيرًا عن إرادة شعبية داخلية. تأسيس إقليم قائم على أسس طائفية سيقوض الجهود الرامية إلى بناء دولة عراقية موحدة. كما أن هذا المشروع قد يكون مقدمةً لمخططات إقليمية تهدف إلى تقسيم العراق وإضعاف المكون الشيعي الذي يمثل الأغلبية السكانية.

البعد القانوني والسياسي:

الدستور العراقي يتيح تشكيل أقاليم، لكن ضمن إطار اتحادي يعزز الشراكة الوطنية. ومع ذلك، فإن خطوات المكون السني تُظهر تجاوزًا لهذا الإطار، إذ يبدو أن هناك نية لإقامة كيان طائفي منفصل، مما يتعارض مع مبادئ الدولة الاتحادية. لا يمكن أن تكون وحدة العراق موضوعًا للمساومة أو التفاوض.

وفي الختام : إن تحركات المكون السني الحالية قد تُشكل خطرًا على مستقبل العراق كوطن موحد. ولذا، فإن المكون الشيعي، بوصفه الأكثر تمثيلًا في العراق، مطالب بتوحيد صفوفه والعمل بحزم لمواجهة هذه التحديات، بما يضمن الحفاظ على وحدة البلاد وتحقيق العدالة لجميع مكوناتها. وحدة العراق لا تتحقق إلا من خلال مشروع وطني يقف ضد أي محاولات للانفصال أو التقسيم.