الحشد الشعبي… مؤسسة وطنية لا تقبل التشويه
في الأيام الأخيرة، صعّد البرلمان العراقي من خطواته لتشريع قانون ينظّم وضع قوات الحشد الشعبي. هذا الحراك التشريعي أثار ردود فعل دولية متباينة. أطلقت الولايات المتحدة تحذيرًا جديدًا، زعمت فيه أن تقنين الحشد الشعبي قد يعزز النفوذ الإيراني داخل العراق.
لكن أمام هذا التصعيد، يبرز سؤال مهم: لماذا تصر بعض الأطراف الدولية على اختزال الحشد في توصيفات سياسية منحازة؟
لا يحق لمن هم خارج الحدود أن يشوّهوا تشكيلًا ضحّى منتسبوه دفاعًا عن المدن العراقية
من الدم إلى الدستور: الحشد في قلب الدولة
منذ عام 2016، ضمّت الحكومة العراقية الحشد الشعبي رسميًا إلى المنظومة العسكرية. أصدر رئيس الوزراء حينها الأمر الديواني رقم (91)، وربط الحشد مباشرة بالقائد العام للقوات المسلحة.
هذا الربط يستند إلى المادة (78) من الدستور، التي تمنح رئيس الوزراء صلاحية قيادة القوات المسلحة.
من هنا، لا يجوز لأي جهة أن تشكك في شرعية الحشد أو تصفه بأنه كيان خارجي، فكل من يسلك هذا الطريق يسيء إلى المقاتلين ويتدخل في الشأن السيادي العراقي
البرلمان يثبّت ويُنظم… لا يشرعن من فراغ
تحرّك البرلمان اليوم لتنظيم الحشد قانونيًا. الهدف ليس إنشاء قوة موازية، بل دمج الحشد ضمن المؤسسات الأمنية، وربطه إداريًا وماليًا بالدولة.
بهذا التنظيم، يخضع الحشد للمساءلة والرقابة ويبتعد عن الازدواجية.
ورغم أهمية هذا التشريع، إلا أن البرلمان تأخر في إقراره.
كان من المفترض إنجازه بعد الانتصار على داعش، تقديرًا لتضحيات القوات التي واجهت الإرهاب ميدانيًا.
التدخل الأميركي: موقف مرفوض ومسار مكشوف
في 3 آب/أغسطس، التقى دبلوماسي أميركي بنائب رئيس البرلمان العراقي.
أعقب اللقاء تحذيرات أميركية من تشريع الحشد.
هذا السلوك يكشف عن عقلية لا تزال تنظر إلى العراق كدولة غير مكتملة السيادة.
لكن العراق اليوم يملك قراره.
قرر الحكومة والبرلمان والشعب وحدهم كيف ينظمون الأمن الوطني، بعيدًا عن أي ضغط خارجي
حين قاتل الحشد على الأرض، كانت بعض الدول تراقب من بعيد دون أن تحرّك ساكنًا.
خطاب “النفوذ الإيراني”… تهويل بلا أساس
تستخدم بعض الأطراف الدولية حجة النفوذ الإيراني لرفض تشريع الحشد.
لكن هذا الخطاب لا يستند إلى قانون ولا يعكس الواقع.
المشرّع العراقي لا ينشئ كيانًا جديدًا، بل ينظم كيانًا قائمًا ضمن الدولة. يعزز التشريع سلطة القائد العام ويمنع تعدد مراكز القرار
كل فصائل الحشد ستخضع للقانون والدولة، وليس لأجندات أو مزاج سياسي.
بين الفوضى والتنظيم: الخيار بيد العراق
تقول بعض القوى إن تشريع الحشد يضعف الدولة. لكننا نؤكد أن ترك الملف دون قانون يربك الدولة ويفتح الأبواب أمام الفوضى.
المشرّع العراقي اختار التنظيم القانوني كحل مسؤول.
هذا المشروع يخضع الحشد للمساءلة، ويضعه تحت راية العراق، لا فوقها ولا خارجها.
تقنين لا تجميد… هيكلة لا فوضى
إذا كانت هناك خشية من ازدواجية القرار الأمني، فالحل لا يكمن في التجميد أو الرفض.
بل على العكس، المطلوب هو تقنين الحشد وتنظيمه ضمن هيكل عسكري واضح.
البرلمان اليوم يتحرك بهذا الاتجاه.
التشريع يُكرّس الانضباط، ويمنح الدولة سيطرة كاملة على جميع التشكيلات المسلحة.
الخاتمة: السيادة تُصان بالفعل لا بالكلام
العراق يمر بمرحلة حساسة.
التهديدات الأمنية مستمرة.
ولهذا، يحتاج العراقيون إلى مؤسسات قوية، ومنظومة أمنية موحدة، لا ضغوط خارجية.
لا يعد تشريع الحشد الشعبي مكافأة لأحد، بل يمثل خطوة قانونية واجبة. يعزز هذا القانون السيادة، ويثبت الدولة، ويضع كل القوى المسلحة تحت مظلة الدستور وقيادة الحكومة